سورة المعارج - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المعارج)


        


{وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)}
وقوله تعالى: {وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعاً} فصيلة الرجل، أقاربه الأقربون الذين فصل عنهم وينتهي إليهم، لأن المراد من الفصيلة المفصولة، لأن الولد يكون منفصلاً من الأبوين.
قال عليه السلام: «فاطمة بضعة مني» فلما كان هو مفصولاً منهما، كانا أيضاً مفصولين منه، فسميا فصيلة لهذا السبب، وكان يقال للعباس: فصيلة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن العم قائم مقام الأب، وأما قوله: {تؤويه} فالمعنى تضمه انتماء إليها في النسب أو تمسكاً بها في النوائب.
وقوله: {ثُمَّ يُنجِيهِ} فيه وجهان الأول: أنه معطوف على {يَفْتَدِي} [المعارج: 11] والمعنى: يود المجرم لو يفتدي بهذه الأشياء ثم ينجيه والثاني: أنه متعلق بقوله: {وَمَن فِي الأرض} والتقدير: يود لو يفتدي بمن في الأرض ثم ينجيه، و{ثُمَّ} لاستبعاد الإنجاء، يعني يتمنى لو كان هؤلاء جميعاً تحت يده وبذلهم في فداء نفسه، ثم ينجيه ذلك، وهيهات أن ينجيه.


{كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)}
{كَلاَّ} ردع للمجرم عن كونه بحيث يود الافتداء ببنيه، وعلى أنه لا ينفعه ذلك الافتداء، ولا ينجيه من العذاب، ثم قال: {إِنَّهَا} وفيه وجهان الأول: أن هذا الضمير للنار، ولم يجر لها ذكر إلا أن ذكر العذاب دل عليها والثاني: يجوز أن يكون ضمير القصة، ولظى من أسماء النار.
قال الليث: اللظى، اللهب الخالص، يقال: لظت النار تلظى لظى، وتلظت تلظياً، ومنه قوله: {نَاراً تلظى} [الليل: 14] ولظى علم للنار منقول من اللظى، وهو معرفة لا ينصرف، فلذلك لم ينون، وقوله: {نَزَّاعَةً} مرفوعة، وفي سبب هذا الارتفاع وجوه:
الأول: أن تجعل الهاء في أنها عماد، أو تجعل لظى اسم إن، ونزاعة خبر إن، كأنه قيل: إن لظى نزاعة والثاني: أن تجعل الهاء ضمير القصة، ولظى مبتدأ، ونزاعة خبراً، وتجعل الجملة خبراً عن ضمير القصة، والتقدير: إن القصة لظى نزاعة للشوى والثالث: أن ترتفع على الذم، والتقدير: إنها لظى وهي نزاعة للشوى، وهذا قول الأخفش والفراء والزجاج.
وأما قراءة النصب ففيها ثلاثة أوجه:
أحدها: قال الزجاج: إنها حال مؤكدة، كما قال: {هُوَ الحق مُصَدّقاً} [فاطر: 31] وكما يقول: أنا زيد معروفاً، اعترض أبو علي الفارسي على هذا وقال: حمله على الحال بعيد، لأنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال، فإن قلت في قوله: {لظى} معنى التلظي والتلهب، فهذا لا يستقيم، لأن لظى اسم علم لماهية مخصوصة، والماهية لا يمكن تقييدها بالأحوال، إنما الذي يمكن تقييده بالأحوال هو الأفعال، فلا يمكن أن يقال: رجلاً حال كونه عالماً، ويمكن أن يقال: رأيت رجلاً حال كونه عالماً.
وثانيها: أن تكون لظى اسماً لنار تتلظى تلظياً شديداً، فيكون هذا الفعل ناصباً، لقوله: {نَزَّاعَةً}.
وثالثها: أن تكون منصوبة على الاختصاص، والتقدير: إنها لظى أعنيها نزاعة للشوى، ولم تمنع.
المسألة الثالثة: {الشوى} الأطراف، وهي اليدان والرجلان، ويقال للرامي: إذا لم يصب المقتل أشوى، أي أصاب الشوى، والشوى أيضاً جلد الرأس، واحدتها شواة ومنه قول الأعشى:
قالت قتيلة ماله *** قد جللت شيباً شواته
هذا قول أهل اللغة، قال مقاتل: تنزع النار الهامة والأطراف فلا تترك لحماً ولا جلداً إلا أحرقته، وقال سعيد بن جبير: العصب والعقب ولحم الساقين واليدين، وقال ثابت البناني: لمكارم وجه بني آدم.
واعلم أن النار إذا أفنت هذه الأعضاء، فالله تعالى يعيدها مرة أخرى، كما قال: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بدلناهم جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب} [النساء: 56].


{تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)}
فيه مسألتان:
المسألة الأولى: اختلفوا في أن لظى كيف تدعو الكافر، فذكروا وجوهاً أحدها: أنها تدعوهم بلسان الحال كما قيل: سل الأرض من أشق أنهارك، وغرس أشجارك؟ فإن لم تجبك جؤاراً، أجابتك اعتباراً فهاهنا لما كان مرجع كل واحد من الكفار إلى زاوية من زوايا جهنم، كأن تلك المواضع تدعوهم وتحضرهم.
وثانيها: أن الله تعالى يخلق الكلام في جرم النار حتى تقول صريحاً: إلي يا كافر، إلي يا منافق، ثم تلتقطهم التقاط الحب.
وثالثها: المراد أن زبانية النار يدعون فأضيف ذلك الدعاء إلى النار بحذف المضاف.
ورابعها: تدعو تهلك من قول العرب دعاك الله أي أهلكك، وقوله: {مَنْ أَدْبَرَ وتولى} يعني من أدبر عن الطاعة وتولى عن الإيمان {وَجُمِعَ} المال {فَأَوْعَى} أي جعله في وعاء وكنزه، ولم يؤد الزكاة والحقوق الواجبة فيها فقوله: {أَدْبَرَ وتولى} إشارة إلى الإعراض عن معرفة الله وطاعته، وقوله: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى} إشارة إلى حب الدنيا، فجمع إشارة إلى الحرص، وأوعى إشارة إلى الأمل، ولا شك أن مجامع آفات الدين ليست إلا هذه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8